الخميس، 11 أبريل 2024

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات معينة تعطيها مضامينَها وشحناتِها الفكرية. فعلى سبيل المثل تختلف النظرةُ إلى مفهوم "الهدية" باعتبارها وسيلة لجلب المحبة بين المتهادين
[1] عن النظرة إليه بصفته رشوة لجلب المصلحة أو لدفع المضرة[2].

وهذه النظرة التي يحددها سياق المفهوم توجِّه موقف صاحبها إزاء ذلك المفهوم، وهنا تكمن خطورة تحريف المفاهيم وسوء توظيفها، كما تكمن هنا بالمقابل أهميةُ تحرير المفاهيم وضبطها، وتوضيحها وتصحيحها.

والفكر المريدي يزخر، في حقيقة الأمر، بمفاهيم لم تتحدد بشكل واضح لدى كثير من متداوليها ومستخدميها، مما يؤدي إلى سوء الفهم وانحراف التفكير وتكريس الاختلاف تجاهها. وقد أصبحت هذه المفاهيم المضطربة أو الملتبسة تمثل إشكاليات عويصة تحتاج إلى دراسة عميقة، وصياغة واضحة، وتأصيل راسخ.

وبحمد الله تعالى، تصدَّى لهذه المهمة الفكرية الشاقة والضرورية أخونا وأستاذنا العلامة الدكتور خادم سِيلا المعروف بجديته في البحث والدراسة، وعمقِه في التحليل والتأصيل، وسعةِ اطلاعه وإلمامه بالقضايا التي تُثار حول الطريقة المريدية، وتاريخها، وتراثها، وطول مزاولته لهذه القضايا، ونجح في إصدار هذا الكتاب الصغير في حجمه والقيم في محتواه ومنهجيته "إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية".

وسيجد القارئ في هذا المؤلَّف عصارةً دسمة وماتعة من أفكار الدكتور خادم التي طالما عالجها في محاضراتِه ومقالاتِه وبحوثِه. فقد أصَّل وأوضح العديدَ من المفاهيم الشائكة لدى كثير من القراء وحتى الباحثين، معتمدا على مصادر المريدية الأصلية، ووفِّق، إلى حد بعيد، لحل إشكالات مفاهيمية مركزية في الفكر المريدي؛ وهي : موقع التعليم في منهج الشيخ الخديم التربوي، والاستسلام مفهوما ومضمونا، والحد الفاصل بين الهدية والرشوة، وتباين الأقوال والمرويات فيما يخُص مدَّعي التعلُّق بالشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، وظاهرة التصدُّر والتشيّخ، ودلالة لفظ النصارى في الكتابات الخديمية، ومسألة تلقي الشيخ الخديم إذن التعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم. فقد وقف مع كل من هذه الإشكاليات وقفة تحليلية غاص خلالها في لج الكتاب والسنة وكتابات الشيخ الخديم رضي الله عنه، وكتابات بعض العلماء المريدين واستفاد وأفاد من لآلئها المكنونة.

وهذا الإصدار سوف يُحدث  - في نظرنا - تحوّلا إبستمولوجيا حقيقيا في الفكر المريدي، ومنعطفا منهجيا في دراسة المريدية. ولا غرو أن يصدر مثل هذه التحفة العلمية من باحث متمرس يُعدّ قامة من القامات الفكرية التي أسهمت في إحداث نقلة نوعية في دراسة التراث الفكري الخديمي.

وفي الختام، نأمل أن يكون هذا الإصدار الجديد إلهاما للأجيال الصاعدة من الباحثين المهتمين بالفكر المريدي بصفة خاصة وبالفكر الإسلامي في أفريقيا جنوب الصحراء بصفة عامة.

الدكتور سام بوسو عبد الرحمن 
طوبى غرة شوال 1445هـ/ 10 أبريل 2024م



[1] كما نص على ذلك الحديث النبوي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تَهَادُوا تَحَابُّوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الأَدَبِ الْمُفْرَدِ"، وأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
[2] كما ورد قوله صلى الله عليه وسلم: هدايا العمال غلول

مقالات ذات صلة 

الخميس، 4 أبريل 2024

وفد رفيع من الأزهر الشريف يزور جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى

في إطار علاقات الشراكة بين الأزهر الشريف وجامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى، استقبل الشيخ أحمد البدوي رئيس مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين وفداً رفيعا من البعثة الأزهرية في السنغال، صباح يوم الأحد 31 مارس 2024م، وجاءت هذه الزيارة في أعقاب زيارة سابقة لسعادة السفير السيد خالد عارف سفير جمهورية مصر العربية لطوبى، جرى خلالها التباحث حول جوانب الشراكة بين المؤسستين، وكان الوفد يتكون من الدكتور عبد الحميد محمد إبراهيم السنهوري، أستاذ البلاغة والنقد، والدكتور عصام مسعود عبد العظيم مبروك المتخصص في الحديث وعلومه، والدكتور محمد فراج طه علي المتخصص في التفسير وعلوم القرآن.

قام الوفد، فور وصوله بجولة تفقدية في المجمع للتعرف على وحداته، وزار كلية الدراسات الإسلامية والعربية، وقسم المجالس التعليمية، وكلية الطب، ثم عقد جلسة عمل مع هيئة التدريس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بحضور الشيخ أحمد البدوي رئيس المجمع، من أجل التباحث حول سبل التعاون الأكاديمي بين الطرفين.

وفي بداية الجلسة رحَّب رئيس المجمع بأعضاء الوفد الأزهري مُنوِّها بالشراكة بين الأزهر الشريف وجامعة الشيخ الخديم، وبالدور الذي نهض به سعادة سفير جمهورية مصر في توطيد هذه العلاقات المتميزة، ومعبرا عن شكره لفضيلة شيخ الأزهر ومعالي وزير الأوقاف.

وتمهيدا للنقاش تمَّ تقديم عرض عن المجمع وعن كلية الدراسات الإسلامية والعربية، من حيث الرؤية، والأهداف، والمحتويات، والنظام، والتقويم الأكاديمي، الخ. وقد أبدى أعضاء الوفد إعجابهم برؤية للشيخ محمد المنتقى التربوية التي وراء إقامة هذا الصرح العلمي وبناء منظومته التعليمية، كما أعربوا عن استعدادهم للتعاون مع الجامعة بإلقاء محاضرات أسبوعية في كلية الدراسات الإسلامية والعربية، ابتداء من شهر شوال المقبل، في إطار تفعيل الشراكة العلمية بين الأزهر الشريف وجامعة الشيخ أحمد الخديم، وشكروا أخيرا، سماحة الشيخ محمد المنتقى الخليفة العام للطريقة المريدية وفضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف على اهتمامه بالبعثات الأزهرية وبالتعاون العلمي مع المؤسسات التربوية في جميع مناطق العالم.

وبعد جلسة عمل مثمرة تبادل فيها الضيوف مع أعضاء مجلس الكلية حول المناهج والمستجدات في ميدان الدراسات الإسلامية والأدبية، رجع الوفد إلى دكار على أمل العودة بعد شهر رمضان المبارك.

الأربعاء، 14 فبراير 2024

جامعة الشيخ أحمد بمب UCAB تكرم خريجيها

نظمت اليوم (14 فبراير 2024م) جامعة الشيخ أحمد بمبUCAB برئاسة فضيلة الشيخ مام مور امباكي مرتضى حفلة لتكريم خرجيها في رحاب كلية العلوم الدينية والإنسانية والحضارات بدار السلام اندام.
وقد حضر الحفلة شخصيات دينية مرموقة وقامات فكرية وأكاديمية بارزة، وسلطات سياسية وإدارية رفيعة، وسط أعداد كبيرة من أعضاء الإدارة العامة لمؤسسة الازهر الإسلامية والأساتذة، والإداريين وأولياء الطلبة. وتميزت الحفلة بمشاركة اثنين من مديري التعليم العالي إلى جانب المدير الحالي.

وكانت هذه الحفلة، في حقيقة الأمر، برهانا ساطعا على فعالية الجهود الجبارة الخالصة التي يبذلها مسؤولو الجامعة لتحقيق إنجازات متميزة، وعلى سداد النهج الناجع الذي سلكته منذ نشأتها، تحت القيادة الرشيدة للشيخ مام مور امباكي مرتضى الذي جعل من شعاره التزام الجودة في جميع النواحي.

وبشهادة مدير التعليم العالي، نجحت جامعة الشيخ أحمد بمب في الجمع بين التكوين الأكاديمي الجاد والتكوين الخلقي الراسخ، كما شكلت نموذجا رائعا في التعامل مع سلطات التعليم العالي ومع الطلبة المحوَّلين إليها من قبل الحكومة السنغالية.

وبالجملة، نوَّه جميع الأكاديميين الذين تناولوا الكلمة في الحفل، ومنهم عميد كلية العلوم وتكنولوجيا التربية والتكوين، بالنتائج المبهرة التي تحققها الجامعة، والتي بدأت آثارها تتجلى في سلوك خريجيها.

وقد ألقى الشيخ مام مور امباكي مؤسس الجامعة ورئيس مجلس إدارتها خطابا مهما ينِمُّ عن نظره البعيد ورؤيته الاستراتيجية، تضمَّنَ توجيهات قيمة حول السلوك المطلوب لطالب العلم من حيث الجدية والعزم والتحلي بالروح النقدية والجمع بين النظرية والتطبيق.
وبرؤية هذه النتائج التي بدأت آثارها تتراءى أمام الأعين، يمكن القول بأن خيار الشيخ مام مور بتوفير التكوين المهني لحملة الشهادة الثانوية العربية كان خياراً استراتيجيا وتاريخيا، لأنه يقدم حلا لإشكالية التعليم العربي الإسلامي في السنغال، ويخدم شريحةً كبيرة كانت – منذ استقلال البلاد – مهمشة ومحرومة من المشاركة الفعالة في عملية تنمية البلاد بسبب الحاجز اللغوي الذي نصب أمامها.

من المعروف أن الوصول إلى التعليم العالي يمثِّل مشكلةً حقيقية أمام حملة الشهادة الثانوية، سواء أكانت فرنسية أم عربية، ولكن أصحاب الشهادة العربية أقل حظا بكثير من حملة الشهادات الفرنسية بسبب هيمنة النظام الفرنكوفوني السائد في البلاد.
إن فتح جامعة الشيخ أحمد بمب الباب نحو التخصصات المهنية المختلفة أمام حملة الشهادات العربية مع اتخاذها تدابير ناجعة لرفع مستوياتهم في اللغة الفرنسية ينطوي – في نظري - على رهانات في غاية الأهمية؛ فهو يزيل الحاجز اللغوي الذي حرم الكثير من شبابنا العباقرة من استغلال إمكانياتهم العقلية، كما يسد ثغرة في النظام التعليمي السنغالي جعلته ينتج كوادر عالية المستوى، ولكنها مفتقرة إلى شحنة أخلاقية تهدي سلوكها.
وهذا الخيار هو الوسيلة الأمثل لبناء جيل واع ومسؤول يتحلى بالقيم الإسلامية الرفيعة ويمتلك الكفاءات العلمية والتقنية اللازمة لحماية الدين وبناء الوطن، وهذا الجيل هو ما تحتاج إليها السنغال.

نتمنى أن تحذو جامعاتنا الإسلامية جذو جامعة الشيخ أحمد بمب في هذا الخيار الاستراتيجي التاريخي الفعال.
حفظ الله الشيخ مام مور ورضي عن والده المجاهد الأكبر وسدد خطى جميع أفراد الأسرة الأزهرية.

الأربعاء، 31 يناير 2024

الشيخ عبد الله بن بيه يرسم طريقة للنهوض بالتعليم العتيق في إفريقيا

بمناسبة افتتاح الملتقى الرابع للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، المنعقد في العاصمة الموريتانية نواكشوط، في يناير 2024م، تحت عنوان "التعليم العتيق في إفريقيا العلم والسلم"، ألقى العلامة الشيخُ عبدُ الله بن بيَّه – حفظه الله – كلمةً وجيزة ومهمَّة انطوت على رؤيةٍ استراتيجيةٍ واضحةِ المعالم للنهوض بالتعليم العتيق، ويمكن اعتمادا عليها وضع برنامج متكامل لتنميته واستعادة دوره التاريخي في التربية والتزكية، وفي بناء مجتمعات يسودها الوئام والانسجام والسلام.

فقد استهلَّ الشيخ كلمته بتحديد السياق التاريخي لانتشار التعليم العتيق في القارة الإفريقية مع إماطة اللثام عن مزايا مؤسساتها مثل الحرية، والمجانية، والمساواة، والشمولية، واستيعاب القبائل والأعراق المختلفة، والتربية على الأخلاق والفضائل.

وبعد هذه اللفتة التاريخية تناول العلامةُ الشيخ عبد الله السياقَ الراهن للتعليم العتيق بتشخيص أوضاعه تشخيصا دقيقا بيَّن انحساره في ظل تغييرٍ بيئته الحاضنة، واختلالٍ في موارده الاقتصادية وعزوف نسبة من الطلبة عنه تجاوبا مع سوق العمل الذي يتطلب تكوينا متوجا بشهادات عصرية للانخراط فيه.

وعلى هذا التشخيص الدقيق، بنى الشيخ نظرته المستقبلية للتعليم العتيق من خلال مقترحات عملية حول المورد البشري والمورد المالي والمأسسة والتوظيف؛ وهي دعائم ثلاثة يجب أن ترتكز علها أي سياسة ترمي إلى النهوض بالتعليم العتيق.

ففي المورد البشري أبرز الشيخ ضرورة التأهيل التربوي الحديث المبني على دراسة استقصائية تحدد الاحتياجات التطويرية والتدريبية للأساتذة في إطار التعاون مع الجامعات والجهات المختصة.

وفيما يخص المورد المالي، أشار الشيخ إلى موردين مهمين: الأوقاف التي تعتبر أهم دعامة للجامعات العريقة في العالم، والزكوات، باعتبار المؤسسات التعليمية داخلةً في سهم "في سبيل الله".

وفيما يتعلق بالإطار المؤسساتي وعملية التوظيف نبَّه الشيخُ إلى ضرورة التوصل إلى صيغ قانونية موائمة تؤطر عملَ مؤسسات التعليم العتيق، وتحفظ خصوصيتها، وتفتح لها فرص الاستفادة من تمويل الدولة، كما تيسر لخريجيه عملية الانخراط في سوق العمل.

فهذه بعض اللمحات البارزة من كلمة الشيخ عبد الله القيمة التي ترسم خارطة مهمة لوضع سياسة إصلاحية للتعليم العتيق، تستحق أن تدرسها بعمق الدوائرُ المعنية بالشؤون التربوية في العالم الإسلامي عموما وفي إفريقيا خصوصا.





الثلاثاء، 30 يناير 2024

الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه ...وكتاب السنن الكبرى

إن علاقة الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بالكتب والمراجع العلمية واهتمامَه بها، تعلما وتعليما وقراءة وتأليفا، وتسخيرَها لإمكاناتٍ ضخمة في جمعها واقتنائها، بالشراء والاستنساخ، أصبحت حديثَ الركبان، ويشهد لذلك ما خلَّفه رضي الله عنه من كتب نفيسةٍ ونادرةٍ في فنون معرفية مختلفة.

ولكن القصة التي سمعتها البارحة (29 يناير 2024م) من سرين شيخ أست فاي Cheikh Astou Faye Mbacké ابن الشيخ محمد الحبيب بن الشيخ إبراهيم فاط، تثير الدهشة والإعجاب، وتَكشف مدى اعتناء الشيخ الخديم باقتناء الكتب، وبشكل خاص كتب الحديث النبوي الشريف، كما تُظهر مدى حرص الشيخ محمد الفاضل ابن الشيخ الخديم ومريده الصادق على تحقيق كل ما كان الشيخ الوالد يرغب في تحقيقه، كما تجلى في رحلته الحج وتكملته لبناء المسجد الجامع في طوبى، وتأسيسه المجلس التعليمي العريق "دار المعارف" بداخله.

فقد حكى سرين شيخ أست فاي Cheikh Astou Faye Mbacké أن الشيخ محمد الفاضل رضي الله عنه أرسله إلى مكة المكرمة سنة 1966م وتحمل تكاليف سفره، وقال له، لما تهيأ للسفر : "لا أُرسلكَ هذه المرة لأداء فريضة الحج، بل أرسلك خصيصا لكي تشتري لي كتاب "السنن الكبرى"[1] ، ودافعي في هذه المهمة أن الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه كان قد جهّز أحد مريديه الموريتانيين إلى مكة ليشتري له هذا الكتاب، ولكنه لم ينجح في العثور عليه، وعاد دون شرائه، وكنتُ على علم بذلك، فأردت تحقيق تلك الرغبة للشيخ الوالد !

ما استوقفني في هذه القصة هو أنها تدل على علو همة الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه المنقطع النظير في تحصيل المراجع العلمية وبشكل خاص كتب الأحاديث ، كما تشهد للعهد الذي قطعه على نفسه بتجديد السنة النبوية الشريفة ، وإحيائها، وبيانها ،كما في قوله رضي الله عنه:
للمصطفى نويت ما يجدد       -        سنته الغراء وإني أحمد
وفي قوله
نظافته كلي من اللغو طهَّرت    -     وسنتَه إن شاء ربي أُبين

وهذه القصة تؤيِّد أيضا قولَ مريد الشيخ العلامة محمد عبد الله العلوي الشنقيطي (ت 1954م): " ومن علو همته وفتوَّته أنه جمع كتب الأئمة الأربعة - عليهم رضوان الله تعالى - عنده، وهذه ما فعلها أحد قبله من علماء المغرب ولا من ملوكه، وما انتبه واحد منهم لهذه الخصلة الحميدة" (النفحات المسكية، ص 152). وقد أرسله الشيخ رضي الله تعالى عنه إلى مصر فرحل إليها وجلب له هذه الكتب، كما حكاه في كتابه النفحات.

وأخيراً يتجلى هذا الاهتمام بالكتب أن أول مبنى شيد بالإسمنت في طوبى كان مُعَدَّا ليكون مكتبة، بناه أحد مريدي الشيخ بأمر منه، وهو الشيخ محمد اندومبي امباكي Cheikh Mouhammdou Ndoumbé Mbacké . وما زال المبنى قائما في دار القدوس، يأوي مدرسة عريقة تخرج فيها العديد من العلماء الكبار.

وهكذا، لا غرو أن يوجد في الآن إحدى أهم المكتبات الإسلامية في إفريقية الغربية، وهي "مكتبة الشيخ الخديم"، ومكتبة فريدة من نوعها مخصصة لكتابات الشيخ الخديم (كَرْ قصيدي Keur Khassida yi) ومشروع لإحدى أكبر المكتبات الجامعية في إفريقية بجامعة الشيخ أحمد الخديم إلى جانب مكتبات خاصة أخرى.

وخلاصة القول أن هذا الاعتناء بالكتب والمراجع من قبل الشيخ الخديم رضي الله عنه يدعونا إلى مزيد من الاهتمام بالقراءة والدراسة والبحث والتأليف، وبالجملة، الاهتمام  بإحياء العلوم. 
                                                                 د. سام بوسو عبد الرحمن

[1] ظهر من كلام الشيخ أست فاي أن الكتاب هو السنن الكبرى للنساء، لأنه قال أثناء الكلام أن البائع وضعه في كيس وبلغ عدد مجلداته اثني عشر مجلدا.

الخميس، 21 ديسمبر 2023

وأقيموا الشهادة لله!

من النادر أن نكتب شهادةً لحي يرزق، ولكنني هذه المرة أود أن أخالف هذا العرف السائد وأسجل شهادة للتاريخ، بعد إذاعة الخبر السارّ المتعلق بإنشاء إدارة وطنية للمدارس القرآنية في وزارة التربية الوطنية، وإسنادها إلى زميلنا المفتش بابكر صامب.

إن قرارَ رئيس الجمهورية تحويلَ مفتشية المدارس القرآنية إلى إدارة وطنية لم يأت، في الحقيقة، من فراغ؛ فوراء هذا القرار جهودٌ جبارة بذلها مخلصون عديدون متفانون في خدمة التعليم القرآني في البلاد، منذ أكثر من عقدين من الزمن.
فقد مرّت بعدة محطات تلك المحاولاتُ والمساعي التي كانت ترمي إلى تعزيز مكانة التعليم القرآني على المستوى المؤسساتي وإدماجه في النظام التربوي الرسمي، وظهرت مبادرات عدة في الساحة من جهات رسمية، ومن منظمات غير حكومية، ومن مسؤولي مدارس قرآنية ومحبين للقرآن الكريم.
ومن أبرز هذه البرامج والمبادرات في السنوات الأخيرة إقامةُ مشروع لدعم عملية تحديث المدارس القرآنية PAMOD وإنشاءُ مفتشيةٍ للمدارس القرآنية داخل وزارة التربية.

ولكن الفضل في اتخاذ هذا القرار التاريخي بإنشاء إدارة وطنية يرجع بشكل كبير إلى المفتش السيد بابكر صمب وفريق عمله.
فقد نجح السيد بابكر وأعوانه في بلورة رؤية واضحة لسياسة تطوير المدارس القرآنية ورسم استراتجيات فعالة لتنفيذ هذه السياسة، وتمكن بفضل ما يتمتع به من حكمة ورزانة ودماثة وانفتاح من تعبئة الكفاءات المختلفة اللازمة لتسيير مشاريع المفتشية بشكل جيد. وقد أسعفته - بحمد الله تعالى - شخصيته المتوازنة والمتواضعة ومستواه الأكاديمي والمهني في كسر الحواجز اللغوية والثقافية التي تعرقل العملَ الجماعي في كثير من مشاريعنا المهمة.

حقيقةً، كانت مفتشية المدارس على مستوى التحديات في الوقت الذي كان التعليم القرآني ومدارسه يعاني مشكلات في الداخل، ويواجه هجمات من الخارج، وأصبحت كل محاولة للإصلاح أو للدفاع عرضة للاتهام، أظهرت بحنكة مديرها قدرةً فائقة في المشي على طريق وعر مع تجنب الكثير من المزالق الطائفية والسياسية والأيديولوجية.
وكان النجاح الباهر في تنظيم أول مسابقة دولية لحفظ القرآن الكريم في السنغال في الأسبوع الماضي تتويجاً لجهود المفتشية. ومن هنا نرى أن تعيين الأخ المفتش بابكر مديراً لإدارة المدارس القرآنية لم يكن اعتباطا ولا تحابيا وإنما استحق هذا المنصب بكل جدارة.

وهذا التعيين، من ناحية أخرى، وسام على صدر جميع المستعربين؛ فقد برهن الأخ بابكر وغيره من زملائنا أصحاب المسؤوليات العليا أن على الدولة أن تستفيد أكثر من كفاءات المستعربين في تسيير شؤون البلاد بفضل ما يتمتعون به من مواصفات يحتاج إليها المجتمع.
ونحن إذ ندوِّن هذه الشهادة لا يعزب عن بالنا أن المسؤولية جسيمة، وأن المهمة ثقيلة، إلا أننا متفائلون كل التفاؤل وواثقون كل الثقة في عون الله تعالى.

نسال الله تعالى أن يوفق أخانا بابكر ويوفق كلَّ من يعمل لصالح نظامنا التربوي عموما والتعليم العربي الإسلامي خصوصاً.

الأربعاء، 20 ديسمبر 2023

وداعا أيها الصديق الوفي!

كنت أبحثُ عن كلمات تعبر عن شعوري عند انتشار النبأ المفزع والمفجع، وكأنها تفر مني ولا تريد أن تسعفني، بقيت لحظات لا أستطيع أن أصدق أن صديقي وزميلي قد فارق الحياة، وهو في أوج العطاء التربوي، وافته المنية في ميدان الجهاد، والسلاح بيده، كان يُلقي درساً لم تكن حصته قد حانت، كان يقدم حصة الجمعة في مساء الثلاثاء، كأنه في سباقٍ مع الزمن ليؤدي ما عليه.
لم يكن المرحوم بإذن الله تعالى الدكتور مصطفى جوم مجرد زميل لي، بل كان صديقا وحبيبا، كنتُ أتلمس في حديثه معي أمارات المحبة والاحترام.
رافقني لأكثر من عشر سنوات في المفتشية الأكاديمية بتياس، وكان خير رفيق وخير ناصح وخير مستشار. وكان يخفف عني الكثير من المهام.
لا أعرف أكثر منه دماثة وأحسن منه خلقا، ومن أبرز أخلاقه الإيثار والتواضع والحلم.
كان نموذجا في الإخلاص في العمل والتفاني في الخدمة، كان يحمل معه همَّ التعليم العربي الإسلامي أينما حل. كان مثالا في علو الهمة والجدية والمثابرة. كان من فرسان الجهاد التربوي أينما أعلن، ولم يكن التحزُّب يجد إليه سبيلا، وكان قياديا شجاعا جريئا في مواقفه ووفيا لمبادئه.
لا نملك إلا أن نقول : "إنا لله وإنا إليه راجعون" سائلين الله سبحانه وتعالى أن يرحمه رحمةً واسعة ويسكنه في الفردوس الأعلى ويلهم أهله من أقاربه وزملائه الصبر والسلوان.

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات مع...